عرض كتاب "تصحيحات لغوية" للأستاذ: عبد اللطيف أحمد الشويرف

المؤلف لغوي ليبي كبير, وعالم محقق , ووزير سابق للثقافة في (المملكة الليبية). له مشاركات لغوية ودينية فعالة, لعدة عقود, في وسائل الإعلام المرئية , والمسموعة, والمقروءة , وفي مجال التعليم والدعوة, وفي مجمع اللغة العربية الليبي الذي هو أحد مؤسسيه, وفي المؤتمرات اللغوية العربية. وله مشاركات تثقيفية وشعرية في ثورة السابع عشر من فبراير المباركة . من مؤلفاته سلسلة (التدريبات اللغوية)و(تصحيحات لغوية) . وعن سيرته وكتاباته ألفت كتب , وتعد أطروحات علمية .

والكتاب طبعته الدار العربية للكتاب عام 1979م. طباعة أنيقة, في ستمائة واثنتين وسبعين صفحة من الحجم المتوسط. قدم المؤلف للكتاب بمقدمة مستفيضة ذكر فيها تطرق اللحن إلى اللغة العربية - مع انتشار الإسلام - في بعض أساليبها وإعرابها وكلماتها ومبانيها. وبين فيها تكون لهجات عامية نمت على حساب الفصحى , كما بين فيها تصدي العلماء لذلك بتدوين اللغة وجمعها في المعجمات, ووضع النحو لسلامة النطق وإتقان الإعراب, والتأليف في البلاغة للكشف عن إعجاز القرآن وأسرار العربية, والبحث في فقه اللغة لتقدير ثرائها, وغير ذلك من استخلاص الأصول وعوامل القوة الذاتية التي تحمي اللغة العربية من زحف الدخيل. 

واهتم المؤلف بكتب " فئة من العلماء تعقبوا ما اعوج من المفردات على الألسنة فقوموه, وتتبعوا ما شاع من الأخطاء اللغوية فصححوه, وفتشوا عن الدخيل الذي اندس في غيبة الرقيب فانتزعوه , واجتهدوا في البحث عن كل ما خالف سنن العربية, وبعد عن أصولها الثابتة, وشذ عن ذوقها وخصائصها , فنبهوا عليه , وحذروا منه , وأشاروا إلى الصواب الصحيح والاستعمال القويم، وأودعوا عصارة جهودهم كتبا ألفوها في مختلف العصور".

وذكر سبعة عشر كتابا, منها عشرة كتب لعلماء من الأقدمين. منها : (درة الغواص في أوهام الخواص)لأبي محمد الحريري و(إصلاح المنطق) لابن السكيت, و(تقويم اللسان) لابن الجوزي, و(تثقيف اللسان وتنقيح الجنان) لابن مكي الصقلي, وسبعة للغويين معاصرين منها: (عثرات الأقلام) للشيخ عبد القادر المغربي, و(قل ولا تقل) لمصطفى جواد, و(معجم الأخطاء الشائعة) لمحمد العدناني. وذكر أن بعضهم " بالغوا - بدافع الغيرة على اللغة - في النقد حتى وسعوا دائرة الخطأ اللغوي إلى أبعد من محيطها الطبيعي , وتسرعوا – ولكل جواد كبوة - فخطأوا الصحيح وما يمكن أن يكون له وجه من الصحة لو تأملوا ".

وذيل المؤلف كتابه بثمانية وتسعين مرجعا في مقدمتها القرآن الكريم, وبعض كتب الحديث, والقراءات, وإعراب القرآن, والتفسير, والمعجمات, وكتب النحو والصرف, وكتب اللغة, وأعمال المجامع اللغوية كتبا ودوريات. 

وأورد المؤلف عشرة أسباب جعلت بعض اللغويين يخطئون الصحيح ترجع إلى:                    

  • الاستقراء الناقص بدعوى عدم وروده في بعض المعجمات, مع وجوده في بعضها الآخر.
  • أن المعجمات لم تذكره لأنه مقيس , أو أنها اقتصرت على غيره.
  • ادعاء شذوذه , وأن ما ورد عن العرب منه ألفاظ قليلة, والحال خلاف ذلك.
  • الاعتماد على المعجمات فقط, دون الرجوع إلى مصادر اللغة النثرية والشعرية , مع وروده فيها.
  • الاقتصار على الأفصح في الاستعمال العربي, وترك ما دونه في الفصاحة.
  • الاعتماد على مذهب نحوي بعينه , وإهمال أحكام ما عداه.
  • الاعتماد على لهجة عربية مشهورة, وعدم الاعتداد بغيرها.
  • الالتزام في تركيب مفردات بما جاء به السماع.
  • تخطئة بعض الأساليب , لأنها منقولة بالترجمة الحرفية.
  • تخطئة بعض صيغ التعبير, لأنها استعمال حديث.                                                                                      

وبين المؤلف أن هدفه التيسير اللغوي المنضبط , وتبرئة الصحيح من الخطأ لا الانحياز , ولا تسويغ الأخطاء الشائعة ولا الإقرار باللحن. وذكر أنه  لا يعدل عن استعمال التركيب الفصيح إلى غيره, ولا ينصح بذلك, ولكنه لا يخطئه, لأن علماء اللغة الثقات أجازوه, وكذلك المجمع اللغوي.

وقد التزم ذكر حجة المخطئين, وشرحها, وذكر ما يتعلق بالموضوع من فوائد , والأمر نفسه التزمه في جانب المصححين للتخطئة .

فليس مراد المؤلف بالتصحيحات اللغوية إثبات خطأ  ما شاع في الاستعمال, وإنما إثبات صحة ما ظن بعض اللغويين خطأه وله نصيب من الصحة , معتمدا في إثبات أكثر ذلك على قرارات مجمع اللغة العربية بمصر. وقد اجتهد المؤلف في بعض المواد اللغوية المخطأة, والتمس لها وجوها من التصحيح , وأجاز استعمالها , ومن ذلك (المحسوسات)جمعا لاسم المفعول من الفعل الثلاثي (حس)بمعنى :علم وشعر , كالرباعي الشائع في الاستعمال(أحس) وجمع اسم المفعول منه (المحسات).

وقد أثبت المؤلف صحة ستين ومئتي استعمال لغوي ذهب بعض اللغويين إلى تخطئتها, وقد تنوعت بين:

  • التوسع في القياس والسماع من أصول النحو, وتراكيب نحوية زادت على المئة, نحو: قد لا أفعل , وقد لا يكون, وتعريف (الغير)و(الكافة)و(تفوق فلان وبالتالي يستحق الجائزة)ومرادف(بالتالي) (ومن ثم) ويصح التعبير بلفظ( وبالتلو)أو الفاء. والحق أن (التالي) مصطلح منطقي عرفته المصادر العربية القديمة, ويطلق على أحد جزئي القضية المنطقية, ويقابله (المقدم). يقول العلامة ابن عاشر –رحمه الله تعالى- بعد أن ساق ست قضايا باطلة النتائج :

والتالي في الست القضايا باطل       قطعا مقدم إذاً مماثل

  • صيغ صرفية بلغت نحو خمسين, منها: نحو عشرين صيغة جمع , نحو: جمع بحث على أبحاث ,وجمع مفعول على مفاعيل, وجمع المصدر, نحو: التلاوات.  ونحو عشر صيغ تتعلق بالنسبة ,نحو: الأمر الرئيسي, والقضايا الرئيسية, وأكثر من عشر صيغ تتصل بالتأنيث, نحو: غضبانة, وبحتة, وغيورة, وعضوة, وعجوزة , ونحو خمس صيغ تتصل بالمصادر الصناعية, نحو: المصداقية, والأنانية.
  • قضايا لغوية تتصل بقياسية النحت, نحو: حلمأ بمعنى : حلل بالماء, وبرمائي لما يعيش في البر والماء, أو تتصل  بمشتقات بلغت أكثر من أربعين مفردة لم ترد في المعاجم العربية, نحو: مشبوه, واستقطب, وتصحر, أو تتصل بتطور دلالي لمفردات بلغت أكثر من أربعين مفردة, نحو: باهت للون المتغير, والواسطة بمعنى الوسيلة.
  • قضايا صوتية تتصل بالإعلال, والتقاء الساكنين في نحو عشر مفردات, نحو: مكائد, ومصائر, ومعلمو المدرسة.
  • قضايا معدودة تتصل بالرسم الإملائي, نحو: حذف ألف (مئة) ونقط الياء المتطرفة.

وقد عرض المؤلف المادة العلمية بطريقة متنوعة شيقة , وبأسلوب في غاية الفصاحة عرف به المؤلف . وهو يسوق بعض القضايا النحوية, ومنها ينتقل بالقارئ إلى مسائل صرفية أو  اشتقاقية, أو دلالية, ثم يعيد الكرة من جديد فيسوق بعض القضايا النحوية, ومنها ينتقل إلى رياض أخرى, مع الاعتناء بالإحالة على المصادر والتعريف ببعض الأعلام في الهوامش أسفل الصفحات.   

إن كتاب (تصحيحات لغوية) جهد علمي, ورصيد من الخبرة اللغوية الواسعة يحتاج إليه الباحثون, والمشرفون , والكتاب, والمترجمون, والمراجعون اللغويون ,وينبغي أن يتخذوه مرجعا لهم يبصرهم أساليب لغتهم , ويغنيهم عن إراقة دماء أقلامهم الحمراء على صفحات المقالات الموكول إليهم تصحيحها.