أفلا تبصرون؟

يغالط كثير من الناس في حقائق ثابتة دامغة, ويقلبونها رأسا على عقب ليعلنوا أن الحق الثابت إنما هو خلافها. ولا يكتفون بذلك بل يصمون آذانهم عن تأمل المواقف, وسماع الحق, ومناقشة الأدلة. إنهم يصدق عليهم القول أنهم مشحونون بإشاعات كاذبة, أو أخبار زائفة, أو أحكام مسبقة, أو تصورات مغلوطة، أو مخاوف على النفس والمال والولد، وقد قيل: الولد مَجبَنة.

   إن وسائل الإعلام المثبطة للهمم, والمحطمة للمبادئ والقيم، والمروجة للأباطيل تؤدي أدوارا خطيرة في إبعاد الناس عن اتخاذ الموقف الصحيحة, وحرمانهم من الالتزام بما يمليه عليهم دينهم, وإغرائهم بتجاهل الرأي الصائب. إنها تحدث للناس في عقولهم جمودا بل عجزا عن أن يبصروا  الحق، ويقبلوا الرأي الصائب.  

   فمن البديهيات والثوابت الشرعية القرآنية والنبوية والقضائية العادلة أن الظلم ظلمات، وأن البادئ أظلم، وأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل, وأن الأمة لا تُجمع على ضلالة, وأن الحق أحق أن يتبع، وأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل, وأن العداوة في الدين لا يرجى صلاحها، وأن الله كرم ابن آدم أحياء وأمواتا، وأن المؤمنين إخوة، وأن أكرم الناس عند الله أتقاهم له، ووجوب التعاون على البر والتقوى، وتحريم التعاون على الإثم والعدوان، وأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأن كل أبناء آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وأن الصلح خير،  وأن المعصومين إنما هم الأنبياء،   ونحو ذلك مما إذا طبقناه على خلافاتنا لانتفى وجودها, ولأدركنا- في حال التنكر لهذه المبادئ - حجم المآمرة التي تُكاد للمجتمعات الإسلامية لمحو دينها-لا قدر الله- ونهب ثرواتها، واستعباد شعوبها، وهو ما يجري على قدم وساق في أكثر الأوساط العربية, والدولية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ وإلا كيف نفسر حصار درنة وتجويع أهلها، والهجوم عليها، وعلى سبها برا وجوا، وقتل المتظاهرين في غزة والحصار المطبق عليها من جميع الجهات، وتدمير بيوت سكان سيناء، وزهق أرواح المرابطين في الميادين، وتشريد من نجا منهم في الآفاق، ليموتوا غرقى في البحار والقفار، وليتهموا بالهجرة غير الشرعية وبالإرهاب، وهم فريسة الظلم والعدوان، على أيدي طغاة يعدون أنفسهم آلهة يخدمها شياطين الإنس الطائعين لهم طاعة عمياء، مدمري المدن والقرى بالسلاح المتاح لهم من الدول المصنعة له، دون المستضعفين، فإن لجأوا إلى دول معدودة يحتمون فيها من العدوان اتهمت هي الأخرى، وحوربت في كل المحافل وبكل الوسائل، وحيل بين مواطنيها وبين البيت الحرام, وزيارة نبي الإسلام. والمظلوم المغبون الذي بلغ مراده من الاعتمار يسلم إلى جلاديه. وكل ذلك ينافي الفطرة السوية والمبادئ الإنسانية، قبل الأحكام الإسلامية، ولا عجب في ذلك فالمؤسسات الدولية النصرانية والبوذية  والهندوسية تمسك بلجامها الصهيونية العالمية. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "(الآية الأخيرة من سورة الشعراء).