فُجِعت الأمة الإسلامية هذا الأسبوع، ومجتمعنا الليبي، على وجه الخصوص بخبر فقد عالم جليل، اغتالته يد الغدر والخيانة والجهالة ألا وهو العلامة المحدّث، والفقيه، والمفسّر الشيخ د. نادر السنوسي العمراني طيّب الله ثراه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه. لقد كان الشيخ - رحمه الله- اسما على مسمى، فهو عملة نادرة تمنت الجامعات العربية، والمنظمات العلمية، والروابط الإسلامية أن تثري شعوبها، ودولها بعلمه الغزير، وفهمه الواسع، وجهده الدؤوب، وتعاونه المثمر، ولكنه –رحمه الله- أراد أن يبذل كل هذا لوطنه ليبيا الجديدة، بعد أن انقشع عنها عهد الطغيان والحرمان، شدّا من أزر علمائها، وبذلا للعلم لأبنائها، وجمعا لكلمة الليبيين على وحدة بلادهم، وإقامة دولتهم المسلمة، مكتفيا بالزيارات العلمية لغيرها، والمشاركة في المؤتمرات الشرعية والدعوية لخدمة الإسلام والمسلمين؛ ولكن المعتدين الآثمين أبَوا إلا طمس ضيائه الوهاج لتخلوَ لهم الأجواء للتضليل والنهب، والتخذيل والكذب، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" (الآية الأخيرة من سورة الشعراء).
ومن المواقف الدالة على نُبله التي لا أنساها له تهدئته لثائرة أحد طلاب المعهد العالي للعلوم الشرعية لم ترق له لوحة معلقة بها صورة الكعبة وحولها المصلون ساجدون، بأن احتفظ بها في مكتبه، ولم يشأ أن يخبرني بذلك حتى لا أظنه تحديا من الطالب للإدارة. وبعد أن افتقدت اللوحة سألت العاملين بالسكن الطلابي عمن نزعها فلم أجد جوابا؛ فقلت للطلاب في لين وتسامح عقب إحدى الصلوات : من نزع منكم اللوحة أرجو أن يردها إلى موضعها. وبعد أن خرجنا من المصلى همس في أذني بأنها في مكتبه، وأنه سيأتيني بها، بعد أن هدأت النفوس وزال الخلاف؛ فلله ما أحلمه وألطفه. رحمه الله رحمة واسعة ، وألحقنا به على الإسلام، وعوض أهل العلم فيه خيرا. إنا لله وإنا إليه راجعون.