قبل قرون فرضت العَلمانية في أروبّا, نتيجة للصراع الديني الذي حدث بين الكنيسة والدول الأوربية، بسبب معاداة رجال الكنيسة للبحث العلمي, وهو ما أدّى إلى الانسلاخ عن الدين, وتحطيم القيم الخلقية, والانطلاق لإشباع النزوات الشخصية, من الملذات الجسدية, وجمع المال، وحب الظهور المنافي للإخلاص في العمل ورجاء الثواب عليه؛ فأصبح القانون الوضعي هو الفيصل في ضبط سلوك الأفراد، ولهذا عُرف التحايل عن القانون, والتعامل بالرشا وصبغ المعاملات الظالمة بصبغة قانونية كالربا والعمولات, بل تحجيم دوره في حماية كيان الأسرة, ومسؤولية أفرادها تجاه بعضهم، وإباحة جميع الشهوات بالإغراء والتعرّي وهو ما أدى إلى تأسيس الحياة الزوجية الشكلية خارج القانون, و تقنين الزواج المثلي.
إن الذين يسعون لتدمير الربيع العربي- من حيث يدرون أو لا يدرون- إنما هم يعملون جاهدين مع أعدائهم لإبعاد الإسلام وتعاليمه السمحة الرشيدة من حياة المسلمين, لإلقائهم في أتون محرقة العَلمانية بمخازيها المشار إليها
ومروقهم من دينهم الواقعي الحق الذي يشهد الكتاب والسنة على صدق نبيه الخاتم-صلى الله عليه وسلم- ومخاطبته العقل المستنير، كما تشهد لذلك مناظرات الدعاة وبحوث العلماء في وسائل الإعلام, والشبكة العنكبوتية, ومواقع التواصل الاجتماعي.
إن الذي يفاخر به المسلمون طوال العصور السابقة من تنوع الاجتهاد, وثراء الفكر صار اليوم يتهدده الخطر, وهو الخطر نفسه الذي يهدد وجود كيان الأمة المسلمة, والشريعة الإسلامية, ووحدة مشاعرنا وعباداتنا, وكما يقول المثل العربي: بيدي لا بيد عمرو, بعد أن جُرّبت جميع صور التدمير والإحراق والإغراق لشعوبها من طرف أعدائها, فلم تجد نفعا. والسؤالان الواجبان اليوم قبل غد: أين مفكرو الإسلام ودعاته؟ وأين الشعوب الإسلامية؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.