الحرب كلمة تفزع لسماعها النفوس الراغبة في عمارة الأرض، وتضطرب من هولها عقول أهل الحكمة والرأي. أذاها لا يسهل كفه، وألمها البغيض يعسر وقفه. بها تزهق الأرواح، وتتمزق الأجساد والأعراض، وتترمل النساء، وييتم الأطفال، وينهار المجتمع، وتتحطم الدور، وتنهار الأنظمة، وتسقط الدول فريسة ولقمة سائغة لأعدائها. وشواهد التاريخ القديم، والحديث، والمعاصر تشهد بذلك. ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول لأصحابه لا تتمنوا لقاء العدو، ولكن سلوا الله العافية. فما بالك بحرب بين أبناء الوطن المسلمين؟
وليبيا بعد إذ نجاها الله من حروب فرضها عليها الاستعمار، ثم الطاغية اللعين إبان حكمه، وأثناء الثورة عليه، تتوج ثورتها المجيدة بالرقي في مدارج الديمقراطية، وبناء الدولة الحديثة الرائدة.
ومن الغريب أن تفاجأ اليوم بدق طبول الحرب بعد ثلاث سنين من انتصار ثورتها المباركة مع ما اكتسبت من تجارب سياسية رائدة. ومع أنها على قيد انملة من صناديق الاقتراع للخروج من المرحلة الانتقالية تدوي في آفاقها إعلانات الحرب، وتتحول إلى مشاريع تدمير للبلاد والعباد.
ترى، ما الذي حققه لليبيا ولليبيين القصف العشوائي وغير العشوائي، والتفجير، والتفخيخ غير الدمار، والخراب، والدماء، والأشلاء، والتشرد في الآفاق مما نرى آثاره بارزة للعيان في سوريا وفي العراق وفي اليمن. نعم هناك مسلمون وغير مسلمين، وهناك سنة وشيعة، إلى غير ذلك من وجوه التنافر، ولكن أليس الشعب الليبي كلا لا يتجزأ؟ بلى، فعوامل التوحد أقوى من أسباب التشرذم والتشتت. وثمة عامل لا يمكن التغافل عنه ألا وهو صندوق الاقتراع الذي هو نعم الحكم والفيصل. إنه الحكم الذي لا يعرف المجاملة، والشاهد الذي إن سلم من التزوير كان شاهد حق وسبيلا إلى تداول السلطة. فيا أيها المواطن البسيط لا تغتر بالدعاوى الجوفاء، والأباطيل المضللة، فتلقى نفسك في أتون حرب لا ناقة لك فيها ولا جمل. يسعى إليها طلاب العروش على جماجم الشهداء، بعد أن ولغوا في دماء الليبيين قبل سنين في الوديان والقفار، وخرجوا فارين بجلدهم من باب الهزائم ليعودوا بالدمار من باب النكسة والنصر الموهوم.