انقضت سريعا ثلاث سنوات من عمر ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة. وها هي ذي الذكرى الثالثة تعود - والعود أحمد - بإيجابياتها وسلبياتها، فلننتهز هذه الذكرى، ونتخذها فرصة مواتية للمراجعة، فالذكرى تنفع المؤمنين. إن عشرات المكاسب تحققت- والحمد لله- بدءا بالمجلس الانتقالي، والمؤتمر الوطني، والمجلس التنفيذي، وحكومتين انتقاليتين خلفتاه. وكل هذه الأجسام السياسية ووجهت بمصاعب جمة لم تكن في حسبانها، بل عدلت بها عن برنامجها المحدد في بعض مساراته. وعذرها في ذلك أن الواقع المرير الذي خلّفه العهد البغيض أضخم وأعقد مما كان متصوّرا، وأن روح التسامح للثورة المجيدة أطمعت بعض المرضى وضعاف العقول في محاولة النيل من الثورة والثوار، والتشفي من الليبيين الذين هبّوا متفاعلين مع الربيع العربي لإنقاذ الأمة من الطغاة المستبدين، واسترداد حقوقهم المنهوبة، والمغتصبة منهم عشرات السنين. ونحن في المرحلة القادمة نتوق- بإذن الله- إلى تحقيق مكتسبات سياسية جديدة يأتي في مقدمتها اختيار لجنة الستين في غمرة الاحتفالات بذكرى الثورة المجيدة، أي في العشرين من شهر فبراير، لوضع الدستور الليبي الجديد، وكذلك انتخاب أعضاء مجالس البلديات السبع عشرة التي تتربع على التراب الليبي، وهو جار على قدم وساق منذ أسابيع، وفق برنامج مخطط له. وفي السنوات المنصرمة من عمر الثورة المباركة تحققت أشياء كثيرة في بعض المجالات ابتداء من التعويض عن الدماء، وآلام التعذيب، والحقوق المضيعة في العهد المنهار. وكذلك الدماء، وآلام بتر الأطراف، والعاهات المؤدية إلى الإعاقة بسبب المشاركة في الثورة، والتصدي لجحافل الطاغية بمختلف صنوفهم وأعراقهم. كما تمت العناية ببعض المستشفيات وتحسين أدائها. ومن المجالات التي شهدت تطورا ملحوظا مجال التربية والتعليم حيث طورت مناهج تعليمية، وبرز إلى حيز الوجود مؤسسات تعليمية جديدة على كل المستويات، وتم إيفاد آلاف الطلاب للدراسة بالخارج لنيل الدرجات العلمية العالية لتحسين أداء التعليم العالي في ليبيا. وفي مجال الاقتصاد زاد دخل الأسرة الليبية نسبيا، وانتعش النشاط الاقتصادي، وعرفت التجارة انطلاقة لا مثيل لها في المواد الغذائية، والألبسة، والمواد المنزلية، ووسائل النقل، ومواد البناء مع الدول الشقيقة والصديقة، وأسهمت المعارض في الترويج لكل ذلك إسهاما كبيرا. وفتحت أبواب فرص العمل أمام الشباب، ومن بينها الالتحاق بقطاعي الجيش والشرطة لتكوين القوتين الأساسيتين في تأسيس كل دولة. أما مجال الإعلام فقد تحررت وسائله المسموعة، والمرئية، والمقروءة من الرقابة، وهو ما اعترفت به جهات دولية مسؤولة، وشهدت لليبيا بذلك. و صدرت مئات الصحف، والمجلات، والدوريات المعبرة عن المجالات المتنوعة، بل صدرت كتب كثيرة في ميادين السياسة، والاقتصاد، واللغة، والأدب، والتاريخ، والعلوم، والتقانة، والحاسوب...إلخ. كما أنه انتشر في المدن الليبية على نطاق واسع افتتاح المراكز الثقافية تيسيرا للوصول إلى المعلومة المطلوب اكتسابها من طرف المواطن. وبرزت مؤسسات المجتمع المدني تناقش قضايا المجتمع الليبي، وتعقد الندوات ، وورش العمل، وتشارك في المؤتمرات، وتستقطب الضيوف من البلدان المختلفة لإبراز وجه ليبيا الحضاري في عهدها الجديد. وغير ذلك كثير من المكتسبات مما يمكن أن يستعرض في الذكرى الثالثة لثورة السابع عشر من فبراير المجيدة، وهو ما لا يعني غياب السلبيات التي ينبغي تفاديها في المرحلة القادمة، ومن ذلك إيقاف تصدير النفط غير المسؤول الذي هو عصب الاقتصاد الليبي، والتعدي على محطات التيار الكهربائي، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية كانقطاع خدمات الإنترنت، وإضعاف شبكة الاتصال. ولعله من السلبيات التي لا يمكن إغفالها الاعتداء على الأراضي الزراعية، والغابات وتحويلها إلى قرى عشوائية تنقصها المرافق الحيوية، والطرق المناسبة للكثافة السكانية، بسبب غياب القوانين الرادعة، و غياب من يطبقها. وهو السبب نفسه الذي جرأ بعض البغاة على الناس ، وحال دون مباشرة الشركات لأعمالها في المشروعات العمرانية المتعاقد معها بشأنها، وذلك خوفا على عامليها ومستخدميها، وآلاتها، ومركباتها، ومكاتبها من الاعتداء عليها في أي وقت من الأوقات.