رجال القرون الثلاثة الأولى الذين شهد لهم الرسول –صلى الله عليه وسلم-بالخيرية نشروا الإسلام شرقا وغربا حتى بلغ الصين والأندلس؛ فأشرقت الحضارة الإسلامية على الإنسانية, وعمت عدالتها البشرية, ثم بدأت تدب الخلافات بين المسلمين فلم تمض ثلاثة قرون أخرى حتى سرى التمزق لبلاد المسلمين, واجترأ غير المسلمين عليها من الغرب ؛ فاندلعت الحروب الصليبية وسقط بيت المقدس بأيدي الصليبيين, وأسقط المغول القادمون من الشرق بغداد عاصمة الخلافة العباسية. وسقطت دولة صقلية, ثم بعد ذلك سقطت دولة الأندلس, وتفنن الغزاة في تدمير المدن الإسلامية ونهب ثرواتها ومكتباتها وإبادة المسلمين في مجازر دامية وتكفير من لم يفر منهم بدينه, وأقاموا محاكم التفتيش التي أباحت الولوغ في دماء المسلمين استنادا إلى القوانين الغربية الآثمة. وشاء الله –تعالى-أن تقوم الدولة العثمانية لحماية الإسلام وإنقاذ المسلمين من الاستعمار الذي بدأ يقتسم الدويلات الإسلامية, حتى أسقط الغرب والعرب الخلافة العثمانية بعد قرون زاهية, واندفع المستعمرون لاحتلال بلاد المسلمين من جديد, فهبوا يدافعون عن أوطانهم مستنيرين بعلماء الإسلام من أمثال الخطابي, وابن باديس, والثعالبي, وعمر المختار, والقسام, وسليمان الحلبي فتحررت شعوبهم التي استلم زمام قيادتها من ضيعهم وضيع فلسطين التي ندفع اليوم ثمن خذلان أهلها. فلما حان للعرب التخلص من بعض طواغيتهم انبرى آخرون برعاية صهيونية لتخذيلهم وتسليط المجرمين- تحت اسم الجيش- على الثائرين المخلصين والتنكيل بوحشية لا مثيل لها بمن يقع في قبضتهم, بل بإبادة مثلهم الأعلى من أهل القرآن والعلم المسنّين, وإلقائهم في المزابل وإحراق مكتباتهم, والاعتداء على النساء بمثل ذلك مع حلق شعورهن, وهو مالم يمارسه المسلمون طوال تاريخهم. بل يستعينون بغير المسلمين على بني قومهم المسلمين بقصفهم بالصواريخ المدمرة, متناسين كلمة قالها أحد ضعفاء أمراء المسلمين بالأندلس: لئن أرعى الإبل لابن تاشفين أمير المسلمين خير لي من أرعى الخنازير للفونش ملك النصارى. وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فقد ذكر ابن الأبّار في كتابه (المعجم-الترجمة الثالثة, ص.4 ): " وكانت, أي معركة قُتندة, على المسلمين –جبرهم الله- قتل فيها من المطوّعة نحو من عشرين ألفا, ولم يقتل فيها من الجند أحد, وحكى غيرهم أن العسكر انصرف مفلولا إلى (بلنسية)..." وعبثا يحاولون فقد حكم الله ولا معقب لحكمه (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) ولله در أمير الشعراء:
دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدَق