بنغازي وطرابلس مدينتان ليبيتان عريقتان. إنهما تنتصبان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمال ليبيا, وكأنهما حارسان فطنان أمينان يترصدان القادم لدخول البلاد لينال- إن كان زائرا- حظوة الضيف وقراه, وإن كان غادرا لقن الدرس الذي لا ينساه. فهما كذلك عبر التاريخ. وفي العصر الحديث ألقى الاستعمار الإيطالي بكل ثقله عليهما, واحتلهما وارتكب فيهما المجازر, ولكن جذوة المقاومة فيهما لم تخبُ حتى تم لهما ولليبيا كلها نصر الله.
ولما تحقق الاستقلال شنف الليبيون آذانهم لسماع إعلانه من بنغازي يلقيه سليل الأسرة السنوسية المباركة الملك محمد إدريس السنوسي – رحمه الله- ومنها جاءت حكمته المنقوشة في صدور الليبيين:" المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله". وأعظم بها من حكمة بالغة, ودعوة صادقة, ورسالة خالدة, وقد ثبت خلال الأربعين سنة العجاف الماضية يقينها وصحتها. لقد أرسى مؤسس ليبيا الحديثة – رحمه الله - دعائم الدولة الليبية على مبادئ التعاون, والتفاهم, والتآزر فبعد الاستقلال سارع إلى انضمام ليبيا إلى الجامعة العربية, وهيئة الأمم المتحدة, واستعان بهما في نشر الوعي , والمعرفة , والعلم بتأسيس الجامعة الليبية التي بدأت بكليتي الآداب والتجارة في بنغازي, ثم كليتي العلوم والهندسة في طرابلس, ثم تأسيس جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الإسلامية–رحمه الله- وغذاها جميعها بالمعاهد الدينية, والمدارس القرآنية, ومدارس التعليم العام.
وحينما أدرك الليبيون معنى المحافظة على الاستقلال, وأذن الله-تعالى- بزوال عهد الطغيان اندلعت ثورة السابع عشر من فبراير في بنغازي, وعزم الطاغية على تدميرها, فهبت طرابلس بكل أحيائها, كما هبت كل المدن الليبية تحيي بنغازي, وتشد من أزرها, وتسمع الطاغية مالا يريد سماعه من الهتافات التي لا عهد له بها, حتى سقط صريعا, وجمع الله شمل الأختين العزيزتين بأختهما الثالثة سبها-حرسهن الله- ولكن أزلام النظام الفاسد, وزبانيته, ومن لف لفهم من المعاندين حاولوا اختطاف سبها ففشلوا, وسيكون الفشل حليفهم أيضا –بإذن الله- في محاولة التعدي على بنغازي, وليس الخبر كالعيان.